10 - 11 - 2024

مئات الآلاف من المشردين.. يبحثون عمن ينجدهم (تحقيق)

مئات الآلاف من المشردين.. يبحثون عمن ينجدهم (تحقيق)

المشهد يعيد فتح الملف.. وقضية أسوان وكفر الزيات تكشف المأساة
3وزارات والمركز القومي للبحوث يدرسون ضبط الأعداد.. وكل المعلن عنه عشوائي
- محمود وحيد: "معانا لإنقاذ إنسان" تعمل بمجهودات فردية.. ومؤسسات تصرف الملايين على الإعلانات
- مؤسسة بسمة للإيواء..أعدنا 228 لذويهم والشرقية ترفض الترخيص لمبنى خاص للمشردين!
- علاء عبدالعاطي: الملف جديد على وزارة التضامن وبدأنا الحملة نهاية 
2018 

أعادت قصة مريض ذهب مستنجدًا بمستشفى أسوان العام، وبعده مريض كفر الزيات الذين تم طردهما، مزيدا من التساؤلات، ليس لنفتح ملف مرضى الايدز، ولكن ليعيد "المشهد" إلى الأذهان قضية المشردين، فقد استيقظ المجتمع ومعه أجهزة الإعلام قبل ثلاث سنوات على تفشي ظاهرة التشرد، وصبغها صبغة إنسانية، وتحويل أصحابها من سبب أزمة إلى "مأزومين"، لتدخل وزارة التضامن على خط الإنقاذ، ولكن أين وصلت هذه المجهودات، وما هي الحلول التي تقدمها الجهات المعينة، وكم وصل مؤشر أعداد هؤلاء المشردين، مفاجآت كثيرة يحملها التحقيق التالي..

في البداية أكد المهندس محمود وحيد رئيس مؤسسة "معانا لإنقاذ إنسان"، أن فريقا تابعا للمؤسسة تحرك فور الإبلاغ عن الحالة، ولكن كان الأمر قد نفذ، ليفتح فضلًا جديدًا من معاناة المؤسسة في سبيل تقديمها الرعاية المتكاملة للمشردين، وقال: مؤسسة "معانا لإنقاذ إنسان" هي أول مؤسسة يتم الترخيص لها رسميًا لرعاية المشردين بلا مأوى عام 2016، وقبل هذا التاريخ كنا نعمل بشكل تطوعي وذاتي، وبدأنا بدار صغيرة، والآن لدينا 4 فروع، ثلاثة للرجال، وواحد للنساء، بقدر استيعابية تصل إلى 180 فردا في الدار، بالإضافة إلى فرق إنقاذ في كل أنحاء مصر، وكل مَنْ يعمل داخل الدور هم موظفون، بينما كل من يعمل خارج الدور هم من المتطوعين.

آلية التحرك

ويضيف: فكرة المؤسسة بدأت عندما وجدت شخصًا يتحلل في الشارع، بدأت في التحرك، ووجدت أن هذا العمل، من أعظم الأعمال الإنسانية، أن تنقذ نفسًا، وكنت متطوعًا في العديد من المؤسسات والجمعيات، نبني سقفا، نوزع كرتونة أغذية، نقدم علاجا لمريض، ولكن وجدت أن المشردين لا بيت لهم حتى نصنع له سقفًا، ولا يجيدون حتى التعبير عن شكواهم ومعاناتهم، وإيماني بقضيتهم جعلني أتحرك لإقامة كيان متكامل لخدمتهم ورعايتهم صحيًا واجتماعيًا وإيوائهم.

فهؤلاء المشردون كانوا فئة يزدريها المجتمع بكل أطيافه، يتقززون من أشكالهم، ورائحتهم، ويخافون منهم، يصفونهم أحيانا بالمجانين، وأحيانًا بالمجاذيب، والحقيقة أنهم لا هؤلاء ولا أولئك، وعلى المستوى الرسمي ترفض دور رعاية المسنين والمستشفيات استقبالهم وتقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم، فهذه الإجراءات تتطلب أوراقا ثبوتية وضمانات، فكسرنا الروتين مع وزارة التضامن الاجتماعي ونجحنا في اقناعها بالقضية وتبنيها، وكذلك نجحنا إلى حد بعيد في تغيير نظرة المجتمع. وبدأنا تكوين فرق إنقاذ منتشرة في كل أنحاء الجمهورية، وتعمل على مدار الساعة، ووصلنا الآن إلى 250 ألف متطوع، للإبلاغ عن الحالات والإسراع في انقاذها، وجميعهم يتلقون تدريبات خاصة للتعامل مع المشرد، وكيفية تقديم العناية الشخصية له، وكذلك كيفية حماية نفسه، لأن منهم من يكون عنيفًا أو مريضًا أو به جروح ويخشى أن يكون ناقلًا لعدوى.

3 فئات

ويبَيّن محمود وحيد أن المؤسسة تقابل ثلاث فئات من المشردين، الأولى وهم المتسولون، وهؤلاء لا تتعامل معهم المؤسسة على الإطلاق، والفئة الثانية هم المرضى النفسيون، وهؤلاء من المفترض أن تتعامل معهم مستشفيات الصحة النفسية، ولكن نظرًا لعدم وجود أوراق ثبوتية لأغالب الحالات، تتعامل معهم فرق الانقاذ، ولكن بحذر قدر الإمكان، والتعامل يكون مع الحالات الهادئة، فيتم اصطحابها إلى دار الرعاية، وتقديم الرعاية اللازمة لهم، أما حالات الهياج والعنف فيصعب التعامل معها، وهي غير مأمونة الجانب سواء على المنقذين أو على المتواجدين في الدار، فنطلب تدخل المستشفيات، ونقدم لهم الرعاية الطبية والشخصية والطعام، والبطاطين والملابس، في أماكن تواجدهم، ونظل نتابعهم، ولكن عن بعد،  حتى يتوفر لهم مكان في أحد المصحات النفسية، والفئة الثالثة هم المشردون بلا مأوي، وهؤلاء الذين تعنى بهم المؤسسة، وغالبا هم من كبار السن، الذين اضطرتهم الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية لأن يكونوا على هذه الحال، فلا حول لهم ولا قوة، فمنهم مَنْ كان ذو سلطة ونفوذ، ومنهم مَنْ كان رجل مال وأعمال، فالكل معرض لمثل هذه الظروف وعلينا مراعاتها، وكل حالة لها قصة تصلح أن تكون فيلما سينمائيًا. 

إحصاءات

وأوضح أن الإحصائية المتاحة لكل المشردين في مصر حوالي مليوني مشرد شاملة الأطفال والكبار، ولكن لا توجد إحصائية حقيقية، فالأعداد ضخمة، ولدينا نظام خاص لتسجيل الحالات، وفرزها، ومراعاة عدم ازدواجيتها، ولكن حتى الآن لم تخرج إحصائية كاملة، ولا عن وزارة التضامن، ونسعى في الفترة القادمة لحصر الحالات بطريقة فعلية.

كباري المشردين

ونفى أن يكون هناك علاقة طردية بين ازدياد عدد الكباري في مصر، وبين اضطراد أعداد المشردين، موضحًا أن وجودهم أعلى الكوبرى أو أسفله هو ما يلفت نظر المارة لهم، لأنها أماكن لا يتوقع أن يتواجد فيها أحد، ولكنهم يتواجدون في كل مكان، حتى الأماكن الراقية، وعندما سلطنا الضوء على الظاهرة، أصبح هناك وعي لدى أفراد المجتمع، بحقيقة تواجد المشردين، وأعطينا القضية بعدًا إنسانيا، وأصبح هناك وعي بالمسؤولية المجتمعية التي يمكن أن يقدمها، على أقل تقدير بالإبلاغ عن الحالة، وهنا نشترط تحديد الموقع تفصيلا ومصحوبًا بصورة للمشرد، حتى نتأكد أنه لم ينتقل من مكان لآخر، أو أنه تم الإبلاغ سابقًا عنه، وعادة لا يغير المشردون مواقعهم، لأن أغلبهم مرضى، ويمكن الاتصال على الخط الساخن للمؤسسة 01210810856 ، بالإضافة للصفحة الرسمية على الفيسبوك.

مشروع قانون

وفي خطوات جديدة تقدمت مؤسسة "معانا لإنقاذ إنسان" بمشروع قانون للحد من انتشار الظاهرة، يشمل معاقبة الأهالي الذين يدفعون بأهاليهم إلى الشوارع، وكذلك يتضمن حقوق المشرد على الدولة من علاج وإيواء، حتى وإن لم تكن لديه أوراق ثبوتية.

ومؤخرًا وجدنا تجاوبًا من مستشفيات الحميات لاستقبالهم، حيث يتم عزلهم في غرف خاصة، لإجراء التحليلات اللازمة، ثم بعد ظهور النتائج يتم حجزه، وكل ذلك بضمانات من المؤسسة، فالدولة لم تقدم حتى الآن أية خطوات فعلية لمساعدة هذه الفئة، ونقوم على مجهودات ذاتية، فلا يوجد راعٍ ولا تبرعات كافية، ولو وجدت تبرعات لا نصرفها إلا على المشردين لأن الدار بالنسبة لهم بيت، ومستشفى، ومطعم، بخلاف المؤسسات والجمعيات الخيرية الأخرى التي نجد لها إعلانات مصورة وفي الشوارع بالملايين، فنحن منهجنا أن هذه التبرعات هي حق للمتبرع له لا للإعلانات. 

إيواء الشرقية

وعلى جانب آخر من القضية فجر محمود درج مؤسس جمعية بسمة لإيواء المشردين بالشرقية، أن المحافظة تقف أمام إصدار ترخيص مباني، لقطعة أرض تم شراؤها لصالح المشروع، موضحًا أن المحافظة هي الجهة الوحيدة المسؤولة، أما وزارة التضامن، فتقوم بالترخيص للمنشأة.

وقال درج: أنقذنا 613مشردًا من مختلف المحافظات، وأعدنا منهم 228 لذويهم، ولدينا ثلاث دور لإقامة المشردين بلا مأوى، نقدم لهم فيها العلاج، والرعاية، والأنشطة الترفيهية، وهذه المباني مؤجرة، لذلك نريد أن يصل صوتنا للمسؤولين لتسهيل ترخيص المبنى الخاص.

الوزارة

من جهته أوضح علاء عبدالعاطي معاون وزيرة التضامن للرعاية الاجتماعية أن ملف المشردين، من الملفات الحديثة بالوزارة، حيث بدأ تسليط الضوء على هذه الفئة في نهاية 2018، وضمت الوزارة المشردين لرعايتها، ضمن الفئات الخاصة.

وقال: لدينا 7 دور على مستوي الجمهورية، كانت في السابق مخصصة للمتسولين بلا مأوي، ولكن الوزارة وجدت أن المشردين من كبار السن أولى بهذه الدور، خاصة عندما انتشرت أعداد المشردين وتم تسليط الضوء إعلاميا واجتماعيا على الظاهرة، وهذه هي النواة الأساسية في تحرك الوزارة لاحتواء عدد من الشباب المتطوع الذين تبنوا قضية المشردين، وأصبحت الوزارة المظلة القانونية والرسمية لهم، وهناك تعاون وتنسيق تام معهم، وطلبنا منهم التقدم بطلب ترخيص جمعية أو مؤسسة، وهو ما تم فعليا، وانبثق عن كل واحدة منهم عدد من دور الرعاية والإيواء للمشردين.

وأثناء الحملة الأولى في يناير 2018 ظهر عدد آخر من الجمعيات تطلب الترخيص لأقسام إيواء المشردين، استجابة منهم للحملة، ولما تعانيه هذه الفئة من شدة البرد والضعف، وبالفعل تم افتتاح دار أخري بـحي "فيصل" للرجال، ليصبح عدد الدور 13 دارًا لإيواء المشردين.

الدراسة قائمة

وأشار إلى أن الوزارة تفصل بين المشردين بلا مأوى من كبار السن، والمتسولين، والمرضى العقليين، وقال: نعمل على دراسة الظاهرة، ليس فقط من جهة المشردين فحسب، إنما لكل المتواجدين بالشوارع، وهناك تعاون وزاري بين التضامن والداخلية والصحة، والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، لمعرفة الأعداد الفعلية وتصنيفها، ومن ثم دراستها بشكل علمي موثق.

كذلك من خلال اللجنة القومية لبحث أحوال المشردين بمصر، نضع نصب أعيينا قانون التسول، وهو قانون قديم ويجرم التسول، ولكن عقوبته تنتهي بالإفراج، وخلال البحث الجديد نريد تغليظ عقوبة التسول، أما بالنسبة للمشردين، فنحن نعمل على قانون يضمن حمايتهم، وكذلك دراسة لتحديد الأعداد، من خلال باحثين على مستوى الجمهورية، ولكن هذه كلها مجرد دراسة لم تسفر عن شيء بعد، ولهذا ليس لدينا أرقام واقعية، إنما نعمل وفق معايير علمية وبحثية لأنها تحدد النتائج، أما الأرقام العشوائية التي يتم تداولها فهي لا تعبر عن الواقع بأي حال من الأحوال، ونأمل الانتهاء من هذه الدراسة قبل نهاية العام 2019، ولكن حتى الانتهاء من الدراسة وإعلان نتائجها، تتخذ الوزارة خطوات على أرض الواقع بتخصيص عدد من دور الرعاية التابعة لها لصالح مشردين بلا مأوى.
------------------------
تحقيق – آمال رتيب

من المشهد الأسبوعي